ثالثا : ان البرهنة بكتاب الخلق عن الخالق اسلوب فى
النبوة و الكتاب ، و اسلوب كل منطق عند الانسان و علماء
الكلام فى كل الاديان . و مع ذلك لا يدعى اصحابه انه تنزيل
من الله ، و لا يكفى صدقه للايمان بوحيه ، فلا بد له من
قرين معه يشهد له انه وحى من الله : و هذه هى المعجزة
، سلطان الله المبين .
و الأعجاز فى النظم و البيان " سر محجوب "
، " السر الذى حير الناس " فى كل زمان ، فلم
يتهدوا فيه الى وجه المعجز فى البيان . فلا يصلح فى النبوة
و التنزيل للبرهان ، حتى يكون " معجزة النبوة الخالدة
الكبرى " .
رابعا : إن " آيات الأنبياء السابقين الخارقة حادثات
وقعت و انقضت " . لكنها أدت دورها فى الشهادة على
صحة الرسالة و صدق الدعوة ، عند الذين جاؤوا بها : و ما
نزل تاريخها الصحيح الصادق خير برهان على ضرورة الايمان
.
خامسا : اقتصار الوحى على لفت النظر الى آيات الكون
الباهرة ، هو تنزيل الوحى من " علو الجهة المنزل
منها " الى مرتبة وحى الفطرة . و ما يدرك بالفطرة
، لا حاجة لنا به الى وحى منسوب الى الله . إن "
الاسلوب الجديد " فى الوحى القرآنى يجعله وحى الفطرة
، لا وحى التنزيل .
سادسا : لو لم يكن عند الله ، جل جلاله ، شىء يقوله
لنا غير ما فى كتاب الخلق ، لما أنزل الينا كتاب الوحى
.
يقول السيد قطب 1 : " فالذهن الانسانى خليق
بأن يدع للمجهول ( و الغيب ) حصته ، و ان يحسب له حسابه
: لا يدعو الى هذا مجرد القداسة الدينية ، و لكن يدعو
اليه اتساع الآفاق النفسية ، و تفتح نوافذ المعرفة . "
فالمعقول " فى عالم الذهن ، و " المحسوس "
فى تجارب العلم ، ليسا هما كل " المعروف " فى
عالم النفس . و ما العقل الانسانى – لا الذهن وحده – إلا
كوة واحدة من كوى النفس الكثيرة . و لن يغلق انسان على
نفسه هذه المنافذ إلا و فى نفسه ضيق ، و فى قواه انحسار
، لا يصلح للحكم فى هذه الشئون الكبار . فلندع الذهن يدبر
امور الحياة اليومية الواقعة ، أو يتناول من المسائل ما
هو بسبب من هذه الحياة . فأما العقيدة ، فهى فى افقها
العالى ، هناك "
|