إن النبوة لها معنيان ، عام و خاص : بالمعنى العام
، النبى هو الذى ينبىء عن الله ، و يبلغ الناس كلام الله
. و بالمعنى الخاص ، النبى هو الذى ينبىء المحجوب ، غيب
الخالق و غيب المخلوق . و قد درسنا فى بحث سابق هل فى
القرآن من إخبار عن الغيوب ، ماضية و حاضرة و مستقبلة
، و رأينا القرآن يشهد بأن محمدا لا يعلم الغيب : "
و لا أعلم الغيب " ( الانعام 50 ) ، " و لو
كنت أعلم الغيب ، لاستكثرت من الخير و ما مسنى السوء "
( الاعراف 188 ).
فندرس الآن نبوءة محمد بمعناها العام ، صفتها و كيفيتها
بحث أول
معنى نبوءة محمد بحسب القرآن
فى أول سورة اعلنها النبى العربى من القرآن ، سورة النجم
1 ، يكشف كيفية اتصاله بملاك الوحى : ــــــ
و الــنــجــم
اذا هوى
ما ضل صاحـبـكـم
و لا غوى
و ما يــنـطــق
عـن الهوى
إن هو إلا وحـــى
يوحــى
عــلــمــه
شديد الـــقوى
ذو مرة فاســـتوى
و هو بالأفــــق
الاعــلـى
ثم دنا فــــتدلى
فـــكان قاب
قوسين أو أدنى
فأوحى الى عـــبده
ما أوحى
ما كذب الـــفـؤاد
ما رأى
أفتمارون عـــلى
ما يرى ؟
1 السيوطى :
الاتقان 1 : 25 .
معجزة
القرآن
٢٦٣
و لــــقد رآه
نزلة أخرى
عـــند
سدرة المنتهى ،
عـــندها جـــنة
المأوى
اذ يــغشى الــسدرة
ما يـغشى
ما زاغ الــبـصر و
ما طــغى
لقد رأى من آيات
ربه الكبرى "
( النجم 1 – 18
)
لقد رأى محمد ملاك الوحى مرتين. و الملاك نزل إليه ،
و لم يصعد محمد بالروح الى الملاك : انها " نزلة
أخرى " . لذلك ليس فى تعابير " جنة المأوى "
و " سدرة المنتهى " تعابير لأماكن فى السماء
، انما هى إشارات الى أماكن على الأرض : فقد كانت الرؤية
نزلة أولى ، و " نزلة أخرى " ، حيث ملاك الوحى
" دنا فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى " .
و كانت رؤيا " بالفؤاد " ، لا رؤية بالبصر
: " ما كذب الفؤاد ما رأى " ، و فيها "
ما زاغ البصر و ما طغى " فى رؤياه . و كانت رؤيا
عظيمة : " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " ، اى
ملاك الوحى .
و موضوع الرؤيا لم تحدده السورة ، بل تركته مجملا مبهما
: " فأوحى الى عبده ما أوحى " . و القرآن كله
يكشف لنا ان موضوع الرؤيا كان " أمرا له من عند الله
، لا القرآن السماوى نزل عليه جملة كما يتوهمون . إن القرآن
صريح لا يحتمل تأويلا : " حم . و الكتاب المبين إنا
أنزلناه فى ليلة مباركة – إنا كنا منذرين – فيها يفرق
كل أمر حكيم ، أمرا من عندنا : إنا كنا مرسلين "
( الدخان 1 – 5 ) . فتعابير التنزيل كلها فى القرآن تشير
الى أن ما " أنزلناه " كان " أمرا من عندنا
: إنا كنا مرسلين " اى أنزل اليه أمر الله بالرسالة
و الدعوة ، لا بمضمونها و لا بموضوعها . و كانت تلك الليلة
المباركة " ليلة القدر ... تنزل الملائككة و الروح
فيها بإذن ربهم من كل أمر " ( سورة القدر ) "
فيها يفرق كل أمر حكيم " ( الدخان ) . فالتكرار المتواتر
" إنا أنزلناه " فى سورة الدخان و فى سورة القدر
، كان " أمرا من عندنا " ، لا القرآن نفسه .
فالقرآن الذى نزل فى رؤيا غار حراء المزدوجة هو الأمر
بتلاوة قرآن الكتاب على العرب فى " شهر رمضان الذى
أنزل فيه القرآن هدى للناس – و بينات من الهدى و الفرقان
" ( البقرة 185 ) . فى لغة القرآن إن الهدى كناية
عن الكتاب ، و الفرقان كناية عن السنة التى تفصله . فالقرآن
العربى هو " بينات من الهدى و الفرقان " ، لذلك
فهو غير