تحولت الرسالة الى دولة : " لقد كان الاسلام الى
ذلك الوقت عبارة عن دين فى دولة . أما فى المدينة بعد
بدر ، فقد أصبح أكثر من دين دولة : انه أصبح الدولة نفسها
. و من هناك ، منذ الوقت ، خرج الى العالم قوة حربية سياسية
" 1 .
3 – انقلاب الدعوة الدينية الى حرب أهلية
كان اسلوب القرآن كله فى مكة دعوة دينية سمحاء : "
ادع الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة ، و جادلهم
بالتى هى أحسن : إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ، و هو
أعلم بالمهتدين " ( النحل 125 ) . و كانت الدعوة
بمكة فى وحدة تامة مع أهل الكتاب : " و لا تجادلوا
أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن – إلا الذين ظلموا منهم
( أى اليهود ) – و قولوا : آمنا بالذى أنزل الينا و أنزل
اليكم و إلهنا و إلهكم واحد ، و نحن له مسلمون "
( العنكبوت 46 ) . فحتى آخر العهد بمكة كان التنزيل واحدا
، و الاله واحدا ، و الاسلام واحدا ، بين القرآن و أهل
الكتاب النصارى .
و بالهجرة الى المدينة انقلبت الدعوة الدينية الى حرب
أهلية .
اولا مع المشركين . فنزل الإذن بالقتال : " أذن
للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و ان الله على نصرهم لقدير
، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ، إلا أن يقولوا : ربنا
الله " ( الحج 39 – 40 ) . قال الزمخشرى : "
هى أول آية أذن فيها بالقتال ، بعدما نهى عنه فى نيف و
سبعين آية " . ثم صار الإذن فريضة و شريعة : "
كتب عليكم القتال ، و هو كره لكم " ( البقرة 216
) . فالقتال على المسلم واجب إلهى ، لفرض الاسلام و إقامة
دولته .
ثانيا مع اليهود أهل الكتاب فى ديار العرب . و الحرب
الأهلية مع اليهود تعقب الجدال الدينى المتواصل معهم فى
سورة البقرة و آل عمران و النساء و المائدة . قامت الحرب
معهم لأنهم كانوا " أول كافر به " ( البقرة
41 ) ، و لأنهم " كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم
، بل أكثرهم لا يؤمنون " ( البقرة 100 ) . فنزل الأمر
: " و إما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء
، ان الله لا يحب الخائنين " ( الأنفال 58 ) . فنابذهم
فريقا حتى قضى على بعض منهم و أجلى بعضا عن المدينة ،
و حتى أخضعهم فى الشمال ، كخيبر ووادى القرى .
|