" و كتب بجبير بن زهير بن أبى سلمى الى أخيه
كعب يخبره أن رسول الله صلعم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه
و يؤذيه ، و أن من بقى من شعراء قريش قد هربوا فى كل وجه
. فإن كانت لك فى نفسك حاجة فطر الى رسول الله صلعم فإنه
لا يقتل أحدا جاءه تائبا . و ان أنت لم تفعل فانج إلى
نجائك فى الأرض " 1 . فنظم قصيدته ( بانت سعاد
) و جاء مسلما ليسلم .
– فأين هذا كله من عفو المسيح لصالبيه ، و هو على الصليب
، على ما يرويه الانجيل : " يا أبتاه اغفر لهم ،
فإنهم لا يدركون ما يفعلون " ! فأين الأعجاز فى الشخصية
النبوية ؟
خامسا : الشبهات على شريعة الجهاد فى القرآن
كانت الهجرة الى المدينة ، و ما تبعها من شريعة الجهاد
و القتال ، انقلابا فى الرسول و الرسالة ، و انقلابا فى
الدعوة و الدين .
1 – انقلاب النبوة الى إمارة
لقد لاحظ المؤرخون المسلمون الانقلاب العميق فى سيرة
النبى العربى ، بعد الهجرة الى المدينة . قال حسين هيكل
2 . " هنا يبدأ الدور السياسى ... و هذا الدور
من حياة الرسول لم يسبقه اليه نبى أو رسول . فقد كان عيسى
، و كان موسى ، و كان من سبقهما من الأنبياء ، يقفون عند
الدعوة الدينية يبلغونها للناس من طريق الجدل ، و من طريق
المعجزة . ثم يتركون لمن بعدهم من الساسة و ذوى السلطان
أن ينشروا هذه الدعوة بالمقدرة السياسية ، و بالدفاع عن
حرية ايمان الناس بها ... و كذلك أمر سائر الأديان فى
شرق العالم و غربه . فأما محمد فقد أراد الله أن يتم نشر
الإسلام و انتصار كلمة الحق على يديه ، و أن يكون الرسول
و السياسى و المجاهد و الفاتح " .
هذه الظاهرة الفريدة ، فى تاريخ النبوة و الدين ، تعنى
انقلاب النبوة الى إمارة . فالنبوة تأسيس دين ، لا تكوين
دولة ! و النبوة رسالة السماء ، لا سياسة الدنيا !
|