و انقضت السيرة النبوية فى العهد المدنى كله فى الجهاد
و القتال و الحروب . " و يكفيك أن تعلم مثلا أن عدد
الغزوات و السرايا و البعوث قد بلغ خمسا و ستين ، قاد
النبى صلعم منها بنفسه سبعا و عشرين ، و كل ذلك فى نحو
عشر سنين – لتقدر خطورة الدور الذى كان للجهاد فى هذا
العهد ، و تفهم حكمة ما شغل موضوعه ذلك الحيز الكبير من
القرآن " 1 .
" و الآيات فى هذا الموضوع على نوعين : نوع تضمن
دعوة عامة الى الجهاد بالنفس و المال ... و ما كان من
أزمات حادة فى سبيل ذلك . و نوع ثان أشير فيه الى وقائع
الجهاد النبوى البارزة و ما كان فيها ، و من الجدير بالتنبيه
أن آيات النوع الثانى قد نزلت بعد الوقائع : مما يسوغ
القول إن الوقائع قد كانت بأمر النبى صلعم و رأيه و بدون
وحى قرآنى ، كما هو شأن أكثر أحداث السيرة النبوية "
.
و صار الجهاد ركنا من أركان الإسلام : " كتب عليكم
القتال ، و هو كره لكم " ( البقرة 216 ) ، كما كان
الصوم : " كتب عليكم الصيام " ( البقرة 183
) . و جعل الجهاد المقدس ركنا من أركان الدين ، هو الذى
صبغ الاسلام القرآنى بصبغته الحربية ، سواء فى الدفاع
عن الدين ، أم فى الهجوم لنشر الاسلام .
و فى الواقع يقسم القرآن المدنى الى عهدين : عهد الدفاع
بالسلاح عن الاسلام ، مدة خمس سنوات نزل فيه اثنتل عشرة
سورة ، و عهد الهجوم بالسلاح لفرض الاسلام على الحجاز
و الجزيرة ، مدة خمس سنوات ، نزل فيه أيضا اثنتا عشرة
سورة . فلم يكن الجهاد فى حد ذاته لحماية الاسلام و الدفاع
عنه فقط ، بل تطور فى العهد الثانى المدنى ، بعد صلح الحديبية
، الى حرب أهلية لفرض الاسلام بالقوة على العرب . و هذه
هى الصورة الرهيبة التى ينقلها التاريخ القرآنى للسيرة
النبوية فى المدينة : نبى يقاتل عشيرته و قومه ليفرض عليهم
دينه بالسيف فرضا – و لا محاباة فى سبيل الله .
و قد تطورت شرعة الجهاد بسرعة فائقة : بدأ بالإذن بالقتال
: " أذن للذين يقاتلون ، بأنهم ظلموا – و إن الله
على نصرهم لقدير ، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ، إلا
أن يقولوا : ربنا الله ! و لولا دفع الله الناس بعضهم
ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم
الله كثيرا ! و لينصرن الله من ينصره – إن الله لقوى عزيز
" ( الحج 39
|