ببعض الايات لتكون مكان بعض آيات أخرى ، لفما تلا الجديدة
و أهمل الأولى ، استغل زعماء الكفار ذلك ، فأخذوا يشنعون
عليه ، و يهاجمون دعواه كون القرآن وحيا إلهيا ، و ينسبون
اليه الافتراء و التعلم من الشخص الأجنبى المعين . و لعلهم
قالوا : إن الشيطان هو الذى يوسوس له و يلقى عليه ، لا
الملاك ، و أن التبديل دليل ذلك . و توسلوا بالاغراء ،
الى جانب الاستغلال و التهويش . و كان من نتيجة ذلك ان
ارتد بعضهم نتيجة لهذه الدعاية و استحبابا لمنافع الدنيا
معا " . فكانت تلك الردة صدمة لمحمد ، زادته أزمة
على أزمة .
10 – الأزمة الايمانية العاشرة : المحو فى آى القرآن
تدوم الأزمات الايمانية فى ضمير محمد حتى آخر العهد
بمكة . فبعد أزمة التبديل ، تأتى أزمة المحو فى آى القرآن
: " يمحو الله ما يشاء و يثبت . و عنده أم الكتاب
" أى أصله ( الرعد 39 ) . فهل كان القرآن العربى
المنزل بحاجة الى تنقيح ليطابق أصله ، " أم الكتاب
" ؟ و الحدث أمر واقع ، بنص القرآن القاطع . و لنا
شاهد من الحديث الذى يروى بأن محمدا كان يراجع جبريل كل
سنة فى نص القرآن ، و فى آخر العهد بالمدينة مرتين فى
السنة .
و تلك الحالة أوقعت اليأس فى نفس جماعته : " أفلم
ييأس الذين آمنوا أن لو شاء الله لهدى الناس جميعا "
( الرعد 31 ) .
و الأزمة الايمانية ، و الفتنة الناجمة عنها ، ظلتا
قائمتين مدة العهد الأخير بمكة كله ، من سورة ( النحل
) الى سورة ( العنكبوت ) ، و هى من آخر ما نزل بمكة :
" أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا : آمنا ، و هم
لا يفتنون ؟ و لقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله
الذين صدقوا ، و ليعلمن الكاذبين " ( العنكبوت 2
– 3 ) .
و حالات الأزمة الايمانية ، و الفتنة عن الاسلام ، و
اليأس من الدعوة بمكة ، عجلت كلها بمفاوضات الهجرة الى
المدينة .
تلك الأزمات الايمانية العشر أوصلت النبى و جماعته ،
فى آخر العهد بمكة ، الى حالة اليأس ( الرعد 31 ) حتى
جاءهم الفرج بالهجرة الى المدينة .
ان تلك الأزمات الايمانية المتلاحقة التى أوصلت محمدا
و جماعته الى اليأس و الهجرة ، لا عهد لنا بمثلها فى سيرة
الأنبياء الأولين . فهى لا تدل على اعجاز فى الشخصية النبوية
، بلغ حد المعجزة الإلهية التى تشهد له . |