يصرفهم عنه ، حينما احتج الزعماء و طلبوا إقصاءهم عنه
ليجلسوا اليه و يتحدثوا معه ، فإنما كان هذا فى ساعة من
ساعات أزماته النفسية ، و منبعثا عن حزنه الشديد لتمسك
الزعماء بجحودهم و معارضتهم و متابعة الناس لهم ، و عن
أمله فى احياز المعتدلين الى صفه . و اذا يصح ان يقال
هذا كذلك فى صدد آيات ( الاسراء و القصص ) ، و ما يمكن
أن يكون قد خطر على باله من التساهل و الاستجابة لبعض
مقترحات هؤلاء الزعماء " .
و هذا أيضا من الإعجاز فى الشخصية النبوية .
7 – إن الأزمة النفسية السابعة كانت مزدوجة متواصلة
طول مدة الدعوة . كانت أولا فى تحدى المشركين له بمعجزة
، نحو خمس و عشرين مرة صريحة ، غير الضمنية ، طول نجاح
دعوته . و كانوا يقولون : " لن نؤمن حتى نؤتى مثل
ما أوتى رسل الله " ( الانعام 124 ) . و إذا لم يأتيهم
بآية كالأنبياء الأولين ، " قالوا : أضغاث أحلام
! بل افتراه ! بل هو شاعر ! فليأتنا بآية كما أرسل الأولون
" ( الانبياء 5 ) . فدعاهم مرارا الى الآنتظار ،
و انتظر معهم طويلا فما جاءت المعجزة ، حتى امتنعوا عن
الايمان به : " و ما منع الناس أن يؤمنوا ... إلا
أن تأتيهم سنة الأولين " ( الكهف 55 ) . أخيرا تحقق
ان المعجزات منعت عنه منعا مبدئيا مطلقا : " و ما
منعنا أن نرسل بالآيات ، إلا أن كذب بها الأولون "
( الاسراء 59 ) فكاد النبى و المؤمنون أن ييأسوا : "
و لو أن قرآنا سيرت به الجبال ! أو قطعت به الأرض ! أو
كلم به الموتى ! – بل الأمر الله جميعا ! أفلم ييأس الذين
آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا " ( الرعد
31 ) . أما المشركون فيئسوا و كفروا : " و يقول الذين
كفروا : لست مرسلا ! – قل : كفى بالله شهيدا بينى و بينكم
و من عنده علم الكتاب " ( الرعد 43 ) . آيته الوحيدة
شهادة أولى العلم من أهل الكتاب .
و هاجر مع جماعته الى المدين ، فلقيه هناك تحد أكثر
ايلاما ، مناورات المنافقين و استهزاؤهم من أول العهد
( البقرة 14 ) حتى آخره ( التوبة 64 – 65 ) .
فكلها أزمات نفسية متواترة متراكمة تهد الجبال هدا .
فصمد النبى لها . إنها البطولة فى معركة الصمود . لكنها
، إن دلت على شىء ، فهى تدل على " بشرية " محمد
فى شخصيته . و ما ظهر فيها من انفعالات و ثورات نفسية
، و عزم حينا على الأنتحار ، و حينا |