نفسه شاهد عدل . لقد ضايقه المشركون بتحديه المتواصل
بآية كالأنبياء الأولين : " فلعلك تارك بعض ما يوحى
اليك ، و ضاق به صدرك ، أن يقولوا : لولا أنزل عليه كنز
! أو جاء معه ملك ! إنما أنت نذير ، و الله على كل شىء
وكيل " ( هود 12 ) .
و فى عجزه الدائم عن معجزة كان المعارضون يرشقونه بشتى
التهم ، و يعجزه العجز عن معجزة ، فيستسلم الى الكبت و
الضيق : " و لقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون !
فسبح بحمد ربك و كن من الساجدين ، و اعبد ربك حتى يأتيك
اليقين " ( الحجر 97 – 99 ) .
و الصورة الكاملة لخلق النبى هى الدعوة أولا "
بالحكمة و الموعظة الحسنة " بمكة حيث كان طريدا شريدا
بين بنى قومه ، ثم الدعوة بالمدينة ، فى حمى المهاجرين
و الأنصار ، بالجهاد ، " و الحديد فيه بأس شديد و
منافع للناس " ( الحديد 25 ) . و قوله : " و
انك لعلى خلق عظيم " ، " و ما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين " كأنه يقصد بها جماعته لا غيرهم من الناس
: " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من
الكفار ، و ليجدوا فيكم غلظة ، و اعلموا أن الله مع المتقين
" ( التوبة 123 ) . و هو يصور واقع الحال بقوله : " محمد رسول الله ، و الذين معه ، أشداء على الكفار
، رحماء بينهم ! " ( الفتح 29 ) ، " فلا تطع
الكافرين و جاهدهم به جهادا كبيرا " ( الفرقان 52
) .
و الحديث الذى يصفه خير وصف هو : انه " نبى الملحمة
" ! و انه " نبى المرحمة " ! و كلاهما
يتعارضان .
ثانيا : أزمات محمد النفسية
عقد الاستاذ دروزة فى ( سيرة الرسول ) فصلا قيما فى
" الأزمات النبوية النفسية " ( 1 : 226 – 275
) نقتطف منه بعض ما يلى :
1 – إن الأزمة النفسية الأولى كانت فى لقاء الوحى و
فى فتوره ، حيث حاول الانتحار مرتين بعد رؤيا غار حراء
، كما نقل البخارى عن عائشة ( 1 : 3 ) : " رجع بها
رسول الله يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد ، فقال
: زملونى ، زملونى ! فزملوه حتى ذهب عنه الروع "
.
و روى الطبرى ان الروع لم يذهب ، بل فكر بالانتحار ،
فقد نقل عن ابن الزبير : " قال : قلت إن الأبعد –
يعنى نفسه – لشاعر أو مجنون ! لا تحدث بها عنى قريش أبدا
. |