ثالثا : النبوءة بنصر بدر
قيل : فيها نصان .
النص الأول : " أم يقولون : نحن جمع منتصر ! سيهزم
الجمع و يولون الدبر ! بل الساعة موعدهم ، و الساعة أدهى
و أمر " ( ال قم ر 44 – 46 ) .
لا شىء فى ( أسباب النزول ) و لا فى النص ، يجعل من
الوعد نبوءة غيبية . " و لما قال أبو جهل يوم بدر
" إنا جمع منتصر " ، نزل : " سيهزم الجمع
و يولون الدبر " ، فهزموا ببدر ، و نصر رسول الله
صلعم عليهم " ( الجلالان ) . بحسب هذا التحليل ،
الوعد تسجيل واقع .
لكن الآية من مكة ، و لم ينزل بعد الأمر بالجهاد و القتال
: فلا تمت الآية فى واقع الحال إلى نبوءة عن نصر حربى
.
و فاتهم جميعا الوعد المضروب للهزيمة : " بل الساعة
موعدهم " . فالنصر الموعود هو فى يوم الدين ، حيث
تكون الهزيمة فى " سقر " ( 48 ) .
النص الثانى : " و إذا يعدكم احدى الطائفتين أنها
لكم " ( الانفال 7 ) . و قد وفى لهم بما وعد . فهل
فى هذا القول علم بالغيب ؟ قال الجلالان : " شاور
النبى صلعم أصحابه و قال : إن الله وعدنى إحدى الطائفتين
. فوافقوه على قتال النفير ، و كره بعضهم ذلك و قالوا
: لم نستعد له " .
نص الوعد لا يحمل معنى " النبوءة " أى علم
الغيب : فهو مجهول القصد ، العير أم النفير . وواقع الحال
لم يكن يتجه إلى قتال النفير فى بدر ، كما يظهر من قصة
الغزوة فى القرآن و السيرة . كان هدف الغزوة قطع الطريق
على قافلة أبى سفيان العائدة من الشام مثقلة بالمال و
المتاع . لكن نفير قريش تصدى لهم فنازلهم فنازلوه .
و الوعد " بإحدى الطائفتين " ليس فيه معنى
المعجزة ليصح نبوءة : فليس خارقا للعادة ، لأنه مجهول
الهدف ، و ليس سالما عن المعارضة ، فلم يحمل المسلمون
القول محمل العلم بالغيب ، فهم يجادلون فيه حتى بعد النصر
: " يجادلونك فى الحق بعد ما تبين " ( الانفال
6 ) . فلو كان فى الوعد معنى التحدى لما تلكأ المسلمون
عن الخروج الى المعركة : " و ان فريقا من المؤمنين
لكارهون " ( 5 ) ، و من شدة خوفهم كانوا ربهم يستغيثون
( 9 ) . فلم يكن الوعد مقطوعا كمعجزة للتحدى . |