أولا : نبوءة ظهور الاسلام على الدين كله
جاء الوعد بظهور الاسلام " على الدين كله و لو
كره المشركون " فى ( الفتح 18 ، الصف 9 ، التوبة
34 ) . فهل فى هذا الوعد نبوءة من علم الغيب ، أم انه
اسلوب بيانى ؟
من يرى فى هذا الوعد نبوءة من علم الغيب يصطدم بالتاريخ
و بواقع حال العرب و المسلمين . إنى عربى و يؤلمنى ما
أقول ، لكن الحقيقة أن يعرف الانسان نفسه . فإلى اليوم
لم يتغلب الاسلام على المسيحية ، و لا على الهندوكية ،
و لا على البوذية . إن الواقع البشرى فى الاديان مائل
للعيان : فليس فى وعد القرآن من نبوءة ! و من أصر على
أنها نبوءة جعل الواقع يكذبها .
و ليس فى قوله " ليظهره على الدين كله " وعدا
للمستقبل . بل هو أسلوب بيانى من باب التعميم فى معرض
التخصيص . و هذا التخصيص ظاهر من قرينة " و لو كره
المشركون " ، هو اصطلاح فيه للعرب الذين يخاطبهم
.
و نعرف من ( اسباب النزول ) ان حقيقة الوعد تسجيل لواقع
يتحقق فى الجزيرة العربية . و جاء هذا التسجيل بعد انتصار
جماعة محمد على اليهودية فى شمال الحجاز ( الفتح 18 )
، و على المشركين فى مكة ( الصف 9 ) ، و على المسيحية
العربية فى مشارف الشام ( التوبة 33 ) . و لا ننس ابدا
أن الآيات القرآنية كانت تنزل بعد الاحداث لتسجيلها و
استخلاص عبرها .
فالوعد بظهور الاسلام " على الدين كله " مقصور
على الجزيرة العربية . و هو حادث مشهود ، لا غيب موعود
.
و ليس فيه من عناصر النبوءة المعجزة شىء : فليس خارقا
للعادة فى نشأة الاديان و انتشارها ، و لا تحدى فيه لغير
العرب المشركين ، و لا هو سالم عن المعارضة بسيطرة غيره
من الأديان على العالم .
فالوعد تسجيل واقع مشهود فى الجزيرة العربية .
ثانيا : استخلاف المسلمين فى الأرض
جاء فى قوله : " وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا
الصالحات ، ليسخلفنهم فى الأرض ، كما استخلف الذين من
قبلهم ، و ليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم ، و ليبدلنهم
من بعد خوفهم أمنا " ( النور 55 ) . |