بحث رابع
تحويل الدين الى سياسة
إذا كان الجهاد لإنشاء دولة جديدة ، و التشريع القرآنى
لإدارة هذه الدولة ، كما نقلنا عن السيد عمر فروخ ، فهذا
يعنى تحويل الدعوة الدينية الى دعوة سياسية . فهل هذا
ما كان يهدف اليه محمد فى مكة ، فتم له فى المدينة ؟ ألا
تصدق فى ذلك فراسة ابن خلدون فى مقدمته الشهيرة 1
: " إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية
، من نبوة ، أو ولاية ، أو أثر عظيم من الدين على الجملة
. و السبب فى ذلك أنهم لخلق التوحش الذى فيهم ، أصعب الأمم
انقيادا بعضهم لبعض ، للغلظة و الأنفة و بعد الهمة و المنافسة
فى الرئاسة ".
هل تكون الدعوة القرآنية فترة فى المنافسة على الرئاسة بمكة بين بنى أمية و بنى هاشم ؟ كانت حامية قبل مبعث محمد
. و كانت سبب المقاومة الكبرى فى وجه محمد . و بعده بعثت
فى مكامنها و صبغت التاريخ الاسلامى بالدماء . يظهر انها
كانت كذلك فى نظر زعماء المشركين ، كما يتضح من قول زعيم
مكة أبى سفيان للعباس عم النبى قبل اسلامه : " لقد
أصبح ملك ابن اخيك الغداة عظيما " .
فمهما يكن الأمر ، فإن فرض القتال فى النبوة و الدين
كان : انقلاب النبوة الى امارة و انقلاب الرسالة الى سياسة
و انقلاب الدين الى دولة و انقلاب الدعوة الدينية الى
حرب أهلية و انقلاب الاسلام الى نظام دنيا و نظام دولة
و انقلاب فكرة الله الرحمان الرحيم الى فكرة الإله الجبار
فى القتال ، و بكلمة : انقلاب الدين الى سياسة و دولة
. هذا ما فصلناه فى فصل " الأعجاز فى الشخصية النبوية
" .
و هكذا ففى تشريع الجهاد ، و فرض القتال فى سبيل الدين
، " من هناك منذ ذلك الوقت خرج ( الاسلام ) الى العالم
قوة حربية سياسية " 2 . فتحولت الدعوة الى سياسة
.
فهل هذا من الأعجاز فى الرسالة ؟ رسالة دين الله ؟
|