الغيبية فى الآية ، و يدل على ان محمدا لم يكن يرى
فيها كشفا للغيب ، يجهل معه موته القريب . إن النبأ لا
يكون نبوءة إلا متى اقترن بالتحقيق ، و هنا يحول موت النبى
دون التحقيق .
و النبوءة الغيبية لا تكون مشروطة . و هنا النبوءة مشروطة
برجوعه سالما من غزوة تبوك : " فإن رجعك الله الى
طائفة منهم " ( 83 ) . و هذا الشرط يرفع معنى النبوءة
فى الآية . فلو أمهل الله محمدا فغرا بعد تبوك ، فذلك
تنفيذ أمر عسكرى ، لا تحقيق نبإ غيبى . و هذا أيضا لم
يحصل . إن النبأ الغيبى تحقيقه محتوم ، و غير مشروط .
قل : انها أوامر عسكرية ، قد تقتضى الظروف تبديلها ،
فليس فيها من نبوءات غيبية ، كما يتوهمون .
ثامنا : قصة الروم
يرون نبوءة تاريخية كبرى فى قوله : " غلبت الروم
فى أدنى الأرض ، و هم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين
، لله الأمر من قبل و من بعد ، و يومئذ يفرح المؤمنون
بنصر الله ، ينصر من يشاء و هو العزيز الرحيم ، وعد الله
، لا يخلف اله وعده ، و لكن أكثر الناس لا يعلمون "
( الروم 2 – 6 ) .
قصة الروم هذه لا تمت الى السورة التى تستفتحها بصلة
. فلا يعرف زمانها . ثم ان لها قراءتين على المعلوم (
غلبت ) و على المجهول ( غلبت ) . و بحسب اختلاف القراءة
قد تعنى الروم و الفرس ، أو الروم و العرب . و آية مجهولة
المعنى لا تكون نبأ غيبيا .
و ( أسباب النزول ) تؤيد ذلك ، قال السيوطى : "
أخرج الترمذى عن أبى سعيد قال : لما كان يوم بدر ظهرت
الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين ، فنزلت ( آلم غلبت
الروم ) الى قوله ( بنصر الله ) يعنى بفتح العين . و أخرج
ابن جرير عن ابن مسعود نحوه " – فعلى القراءة بالمعلوم
ان الآية تسجيل واقع تاريخى مشهود ، يتوسم فيه المسلمون
خيرا لهم تجاه المشركين . " و أخرج ابن أبى حاتم
عن ابن شهاب قال : بلغنا ان المشركين كانوا يجادلون المسلمين
و هم بمكة قبل أن يخرج رسول الله صلعم فيقولون : الروم
يشهدون أنهم أهل كتاب ، و قد غلبتهم المجوس ، و أنتم تزعمون
أنكم ستغلبونا بالكتاب الذى أنزل على نبيكم . |