إن أسلوب البرهنة بآيات الخليقة على خالقها هو أسلوب
جميع المتكلمين فى التوحيد ، من أهل الكتب السماوية ،
و من أهل الفلسفة و الكلام فى كل الأديان . فليس هو مقتصرا
على القرآن و حده ، ليكون " معجزة النبوة الكبرى
الخالدة " !
و هذا " الاسلوب الجديد " يعنى اقتصار التوحيد
المنزل على التوحيد العقلى كأنه ليس فى تنزيل الله من
غيبه ما يسمو على الانسان و عقله ! فلو لم يكن عند الله
ما هو أسمى من الفطرة و من العقل لما أنزله الله ! فما
يقدر عليه العقل بفطرته لا حاجة لنا الى وحى به . هذا
هو منطق البوذية و البرهمية : لا نبى سوى العقل !
ثم ان إنزال الوحى منزلة العقل هو جعل العقل حكما على
التنزيل . و هذا هو موقف الدهريين فى كل زمان . انه تلبيس
الوحى بالمنطق . و قد قالوا : " من تمنطق تزندق "
!
و ان قياس الحقيقة المنزلة على الحقيقة البشرية و بميزانها
يضطرنا الى اعتبار كل حقيقة عقلية أو علمية منزلة ، و
اعتبار كل كتاب بشرى – حتى من ملحد – يعلم الحقيقة منزلا
! إذ لم يبق من سبيل الى التمييز فى الحقيقة بين وحى الله
و فيض العقل .
و اعجاز القرآن كدليل على وحى الله به ، " لاجتماع
الدليل و المدلول عليه فيه " ، لا يتخطى اللغة العربية
، و للخاصة من أهلها ، و يذوب فى الترجمة الى لغات العالمين
، فتبقى الحقيقة المنزلة للعالمين أجمعين بدون دليل على
صحتها و مصدرها . و إرغام العالمين على معرفة العربية
، حتى ذوق الجمال الفنى فى القرآن ، هو تكليف الناس بما
لا طاقة لهم به ، و يخالف سنن الله فى خلقه ، " و
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " .
النتيجة الحاسمة ان الحقيقة فى كلام الخالق و كلام المخلوق
واحدة فى ذاتها : فلا شىء فى ذاتها يدل على مصدرها ، من
حيث هى حقيقة . لذلك لا يميز الحقيقة ، من حيث مصدرها
، فى كلام الله ، عنها فى كلام الانسان ، سوى دليل إلهى
خارج عنها و هذا الدليل الإلهى ، قرين الحقيقة المنزلة
للدلالة على مصدرها و على عصمتها ، هو المعجزة . فلا نبوة
بل معجزة .
9 – هل " كل رسول تكون معجزته من جنس ما نبغت فيه
أمته " ؟
هى مقالة السيد عفيف عبد الفتاح طبارة فى كتابه ( روح
الدين الاسلامى ، ص 30 ) ، تواترت اليه عمن سبقه اليها
من أمثاله . فاختار الله معجزة لمحمد الاعجاز البيانى
فى القرآن ، لأن " العرب كانت مفطورة على حب البلاغة
و الأدب و الشعر و الخطابة " ( ص |