أقنعهم بالمنطق السليم ، و ظلوا طول العهد المكى يقولون
: " لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله "
( الانعام 124 ) ، فجاءهم من المدينة " بالحديد الذى
فيه بأس شديد و منافع للناس " فرضخوا لسلطانه . فبيئة
القرآن نفسها لم تقبل منطق " الحكمة و الموعظة الحسنة
" ، بل تحدت محمدا بمنطق المعجزة .
و هل كانت دعوة بالمنطق السليم ، فى المدينة ، الدعوة
التى تشرع الجهاد فى سبيل فرض النبوة ؟ و هل كانت دعوة
الى العقول و القلوب و الضمائر ، تلك الدعوة التى يشهد
كتابها أن " فيه آيات محكمات هن أم الكتاب ، و أخر
متشابهات ... و ما يعلم تأويله إلا الله ، و الراسخون
فى العلم يقولون : " آمنا به " ( آل عمران 7
) أى " آمنا بالمتشابهأنه من عند الله ، و لا نعلم
معناه " ( الجلالان ) ؟ فهل هذا هو المنطق السليم
، و سبيل النبوة الصحيح ؟ فهل خطاب الناس " بمتشابه
" القرآن – و هو أكثره – جواب على بلوغ البشرية سن
الرشد ، و السبيل الصحيح لإقناعها بالمنطق السليم ، "
الذى لا يعلم تأويله إلا الله " ؟
إن سبيل النبوة الصحيح هو الحكمة و المعجززة . و لا
تقوم حكمة من عند الله بدون معجزة . المعجزة دليل النبوة
الأوحد ، ووسيلة الإقناع الوحيدة على صحة النبوة و الحكمة
المنزلة " و ليس فى المقدور نصر دليل على صدق النبى
غير المعجزة " .
7 – هل " الآية الكبرى هى صدق الكلمة ، و صدق النبى
" ؟
يقول الاستاذ نظمى لوقا : " الآية الكبرى هى صدق
الكلمة من حيث هى : فإن الحقيقة آية نفسها تحمل برهانا
فى مضمونها ، فيطمئن اليها العقل ، و يبدو ما يباينها
هزيلا واضح البطلان " . هذا هو مقياس النبوة الأول
. و قد رأينا بطلانه . فهو يضع الوحى و التنزيل موضع العقل
و المنطق ، و يضفى صفة الوحى على كل حقيقة بشرية .
و مقياس النبوة الثانى فى صدق الرسول . و هو مزدوج :
" آية صدقه ما أتانا به " فى مطابقة الوحى للحقيقة
، " و ان أول مقياس يقاس به صدق صاحب الرسالة هو
مبلغ إيمانه بها " . هذا منطق غريب يدور فى حلقة
مفرغة : الكلمة منزلة لأنها صادقة ، و هى صادقة لأنها
منزلة ! النبى صادق لأن نبوته صادقة ، و نبوته صادقة لأن
النبى صادق .
و هذا التخريج لا يأخذ بعين الاعتبار الواقع القرآنى
. يقول : " ان اول مقياس يقاس به صدق صاحب الرسالة
هو مبلغ ايمانه بها " . فهل استشهاد سقراط فى سبييل
فلسفته دليل |