إن القرآن ، بعد عجز النبى عن معجزة حسية طول العهد
بمكة ، و بعد أن نسخ التحدى باعجاز القرآن فى المدينة
( آل عمران 7 ) ، و جاء نصر الله فى معركة بدر ، أخذ يرى
فى الفتوحات النبوية آية له على صحة رسالته و صدق دعوته
. لكن القرآن لا يعتبرها معجزات من دلائل النبوة ، كما
سنرى .
أولا : نصر الله فى مواطن كثيرة
" لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة " . منها
هذه المواطن الأربعة الكبرى .
1 – " يوم الفرقان " فى معركة بدر ( الانفال
41 ) .
يعتبر القرآن معركة بدر " فرقانا " بين الايمان
و الكفر . ففيه ظهر الاسلام الجديد على خصومه مشركى مكة
. فهل يعتبر ذلك النصر معجزة إلهية ؟ و هل فيه شروط المعجزة
؟
نقلنا قوله فيها فى ( سورة الانفال ) . و رأينا أنه
يعتبر مساعدة الملائكة ، و مساعدة الطبيعة من نعاس و مطر
قبل المعركة ، و حنكة القائد يرمى الحباء لبدء القتال
، من آيات التأييد الربانى . لكن هذا التأييد لا يتخذ
صفة المعجزة : فليس العمل بخارق للعادة ، قبل المعركة
: " و ان فريقا من المؤمنين لكارهون " ( 5 )
، " يجادلونك فى الحق ، بعدما تبين ، كأنما يساقون
الى الموت و هم ينظرون " ( 6 ) ، و يستغيثون ربهم
من رعبهم ( 9 ) – ليست هذه حال من يقبل على مشاهدة معجزة
. و ليس من تحد بالمعركة لإثبات صحة الرسالة . و بعد المعركة
نشبت بينهم الفتنة ( 25 ) حتى حذرهم من الخيانة ( 27 )
و اختلفوا فى مصير الأسرى ( 67 ) . و اختلفوا فى قسمة
الغنائم ( 1 و 41 ) و تنازعوا ( 46 ) . و لو كان فى المعركة
شىء خارق للعادة لما قال بعضهم : " اذ يقول المنافوق
و الذين فى قلوبهم مرض : غر هؤلاء دينهم " ! ( 49
) .
و اختلاف التفسير الصوفى لأحداث الغيب يمنع من رؤية
معجزة فيها . ففى ( الأنفال ) يقول : " إذ تستغيثون
ربكم ، فاستجاب لكم : انى ممدكم بألف من الملائكة مردفين
" ( 9 ) . لكن فى ( آل عمران ) يقول ، تعزية لهم
عن خذلانهم فى معركة أحد : " و لقد نصركم الله ببدر
، و أنتم أذلة ! فأتقوا الله لعلكم تشكرون . إذ تقول للمؤمنين
: ألن يكفيكم أن |