الفصل الثاني
أبو زكريا يحيى بن عدي والكتب
إن المشكلة الأساسية التي يواجهها أي باحث هي "المكتبة"
. بلا مكتبة ، لا بحث . وإذا كان الكتاب اليوم يعني "مطبوعا"
، فكان يعني أمس "مخطوطا" . كيف يحصل الباحث
على مخطوطات ؟ وكيف يحصل على مخطوطات جيدة ، محررة ؟ تلك
هي المشكلة الدائمة .
ونتيجة لذلك كان العلم عادة محصورا في فئة الأثرياء
. ولم يكن يحيى بن عدي من هذه الفئة . فما الحل ؟ أمامه
سبيلان : إما الالتحاق بأمير أو محسن ، يمول عمله ومكتبته
، وإما القيام بعمل يسترزق به .
فنرى المأمون مثلا يؤسس "بيت الحكمة" ، نحو
سنة 832 م ،ويصرف على العلماء والأطباء والنقلة والفلاسفة
. ونرى بني شاكر المنجم (محمد وأحمد والحسن) يبذلون الرغائب
، وينفذون العلماء إلى بلاد الروم ليقتنوا الكتب . وقال
أبو سليمان المنطقي السجستاني (أحد تلاميذ يحيى بن عدي)
: "إن بني المنجم كانوا يرزقون جماعة من النقلة (منهم
حنين ابن إسحق ، وحبيش بن الحسن ، وثابت بن قرة ، وغيرهم)
في الشهر نحو خمس مائة دينار ، للنقل والملازمة"1:
ولكن ، أين المأمون ؟ وأين بنو شاكر ؟ ففي عصر يحيى
بن عدي لم يكن أحد في بغداد يصرف على النقلة ! وقد يكون
ذلك سبب سفر الفارابي إلى حلب ، والتحاقه بالأمير سيف
الدولة ، واستيطانه هناك ، إذ كان هذا الأمير ينفق على
العلماء والشعراء والأدباء .
1 - يحيى بن عدي ناسخ
أما يحيى بن عدي ، فلأسباب نجهلها فضل المكوث في بغداد
. واختار له نهجا آخر . وإليك ما رواه عنه صديقه ابن النديم
:
"قال لي يوما في الوراقين2 ، وقد عاتبته
على كثرة نسخه . فقال :3
"من أي شئ تعجب ، في هذا الوقت ؟ من صبري ؟! قد نسخت
بخطيّ نسختين
|