ووسط هذه الفوضى أنقذ محمد و من حوله الموقف . فارتد
المسلمون على المشركين و قد صاروا جمعيا فى وسط الوادى
، فهزموهم شر هزيمة .
و جاء وقت اقتسام الغنائم الكثيرة . فأجزل محمد العطاء
لزعماء مكة لتأليفهم ، فسموا " المؤلفة قلوبهم "
و خمس الرسول وزعه على الأعراب . فارتاحوا الى الاسلام
و مكاسبه .
إنه لموقف بطولى فى الشجاعة و الكرم ! و لكن هل فيه
معجزة ؟
قال الجلالان : " أعجبتكم كثرتكم : كانوا أثنى
عشر ألفا ، و الكفار أربعة آلاف . فانهزم المسلمون أولا
، و ثبت النبى صلعم على بغلته البيضاء ، و ليس معه غير
العباس و أبى سفيان . فردوا الى النبى لما نداهم العباس
بإذنه " . موقف بطولى لكن ليس فيه من خارق المعجزات
شىء .
قال البيضاوى : " و أنزل جنودا لم تروها – بأعينكم
، أى الملائكة ، و كانوا خمسة آلاف ، أو ثمانية ، أو ستة
عشر ، على اختلاف الأقوال " . هذا أمر غيبى غير مشهود
، فلا يصح التحدى به . و ليس الملائكة بحاجة الى مثل هذا
العدد الموهوم للقضاء على بشر !
فالنبى ، مثل كل مؤمن ينظر الى الأمور نظرة صوفية ،
يرد كل شىء فى سيرته الى الله . و هذه المواقف البطولية
يرى فيها يد الله ، و لكن ليس فى النص القرآنى ، و لا
فى الواقع التاريخى ، من ركن من أركان المعجزة .
و القول الفصل فى معنى التأييد الربانى للنبى فى تلك
المواطن الكبرى من الجهاد و القتال هو نظر القرآن المتواتر
فيها : " فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها "
( الأحزاب 9 ) ، " و أنزل جنودا لم تروها "
( التوبة 26 ) ، " و أيده بجنود لم تروها "
( التوبة 40 ) . إن تأييد الله لمحمد كان " بجنود
لم تروها " . فهذا التواتر فى التعبير يدل على رؤية
صوفية " للتأييدات الربانية " فى سيرته و جهاده
، لا إلى معجزة مشهودة تحدى بها فوقعت كما تحدى بها .
لذلك ليس فى النصر بمواطن كثيرة من شروط المعجزة ، و لا
من معناها ، شىء . فنص القرآن القاطع " لم تروها
" يقطع عليها سبيل المعجزة .
ثانيا : فلسفة القرآن فى الجهاد و النصر و الفتح
و هكذا فالنصوص القرآنية فى البطولات الجهادية ، حيث
" نصرهم الله فى مواطن كثيرة " ، تشهد من ذاتها
أنه لا معجزة فيها تحدى بها النبى للبرهان على صحة رسالته
و صدق دعوته . |