و نجاة محمد و صاحبه من المطاردة انما كان لمهارة
محمد و صاحبه أبى بكر فى ذلك . جاء فى السيرة لابن هشام
: أن النبى يوم هجرته من مكة أضجع عليا على فراشه ببردته
ليوهم الناس انه لم يذهب . و أمر أبو بكر مولاه عامر بن
فهيرة أن يرعى غنمه نهاره ، ثم يريحها عليهما اذا أمسى
، فى الغار ، كما امر ابنه عبد الله أن يستطيع لهما أخبار
قريش ، ثم يأتيهما اذا أمسى فيقص عليهما ما علم منها .
فاذا غدا عبد الله من عندهما الى مكة عفى الراعى عامر
بآثار الغنم على آثار عبد الله ابن أبى بكر . هكذا "
يمكرون ، و يمكر الله ، و الله خير الماكرين " .
و حماية الله لمحمد فى الغار ، " بجنود لم تروها
" ، ليس حادثا مشهودا يمكن التحدى به كمعجزة ، بنص
القرآن القاطع .
و هنا تسعفنا السنن الصحيحة ، و سيرة ابن هشام التى
وضعت بعد مئتى عام من الحادث : فجميعها لا تذكر شيئا من
المعجزات الثلاث التى اختلقوها .
و لو أن القرآن نفسه علم فى الأمر معجزة لنوه بها كلما
تحدوه بمعجزة ، و لما سكت عنها الى آخر سورة ( التوبة
– براءة 40 ) . و ينسون على الدوام ان المعجزات منعت عن
محمد منعا مبدئيا مطلقا ( الاسراء 59 ) ، و امتنعت عليه
امتناعا واقعيا مطلقا ( الاسراء 93 ) .
لذلك يرى العلماء ، و منهم الاستا دروزة ، أن ليس فى
حادث الغار من معجزة ، انما هو عناية ربانية : "
و الآية ( براءة 40 ) تتضمن التنويه بالعناية الربانية
بالنبى أولا ، و بما كان من رباطة جأشه فى هذا الموقف
العصيب ثانيا ، ثم بما كان من أثر إفلاته ، و نجاحه ،
و التحاقه بالمدينة ، فى قوة الاسلام و انتشاره و كبت
اعدائه " .
فليس فى الحادث عنصر من أركان المعجزة : لا حادث مشهود
، و لا معجزة معهود ، و لا تحد مقصود . إنما هى حاجة الأمة
للخوارق لإثبات النبوة بالمعجزة ، لم يجدوها فخرقوها .
و الاساطير تحط من هيبة النبوة ، و لا ترفعها .
رابعا : معجزة " الرمى " فى بدر
نزلت سورة ( الانفال ) فى ملابسات غزوة بدر ، التى كانت
أول نصر فى الاسلام . و جاء فى وصفها :
" و إذا يعدكم الله احدى الطائفتين أنها لكم ،
و تودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم و يريد الله أن يحق
الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين ( 7 ) .
|