بالنبوة و غيرها " . فلا ذكر عندهما لمعجزة شق
الصدر و تطهيره . و كأن التطهير من الوزر عمل مادى ! و
المعنى المجازى متواتر فى القرآن : " يشرح صدره للاسلام
" ( الأنعام 125 ) ، " شرح بالكفر صدرا "
( النحل 106 ) .
فسرها البيضاوى : " ألم نفسحه حتى وسع مناجاة الحق
و دعوة الخلق فكان غائبا حاضرا . أو ألم نفسحه بما أودعنا
فيه من الحكم و أزلنا عنه ضيق الجهل . أو بما يسرنا لك
تلقى الوحى بعدما كان يشق عليك ؟ " . فليس فى هذا
كله مجال لأسطورة شق الصدر . لكن البيضاوى يضيف : "
و قيل انه اشارة إلى ما روى أن جبريل أتى رسول الله صلعم
فى صباه ، أو يوم الميثاق فاستخرج قلبه فغسله ثم ملأه
إيمانا و علما . و لعله إشارة الى نحو ذلك " . و
هناك ضحى القاضى بعلمه ارضاء لأهل الحديث من العامة :
فهل العلم و الايمان أشياء توضع فى القلب ؟ و هل يقوم
القلب مقام العقل ؟ و كيف فاته قول القرآن بعد ذلك : "
ووجدك ضالا فهدى " ( الضحى 7 ) .
لكن اصل القصة عند المفسرين كان فى تفسير الطبرى بالحديث
. فروى أن القصة وقعت لمحمد فى سن الطفولة ، أو فى سن
الكهولة نحو الأربعين و قبيل البعثة . و كيف فاته حديث
سورة ( الضحى 6 – 8 ) التى توجز فترة ما قبل البعثة بقولها
: " ألم يجدك يتيما فآوى . ووجدك ضالا فهدى . ووجدك
عائلا فأغنى " . فلو كان هناك من حادث جرى ، أو معجزة
وقعت لمحمد قبل البعثة لذكرها القرآن تسلية للنبى و تأييدا
لدعوته .
و الاسطورة ترويها السيرة على لسان مرضعه حليمة السعدية
، أو على لسان ابنها ترب محمد فى الرضاعة ، أو على لسان
محمد و كان عمره سنتين و نصف السنة . قالت حليمة : "
فخرجت أنا و أبوه فوجدناه قائما ممتقعا وجهه . فالتزمته
و التزمه أبوه . فقلنا له : ما لك يا بنى ؟ قال : جاءنى
رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعانى فشقا بطنى فالتمسا فيه
شيئا لم أدر ما هو " . فهل الاثم شىء محسوس ؟ و هل
يكون فى البطن ؟ و طفل دون الحلم هو غير مكلف و لا مسؤول
عن وزر ينقض الظهر . و غسل الصدر أو البطن من وزر لا معنى
له على الاطلاق - إلا أن يكون العماد " النصرانى
" المستور بهذه الروايات .
و الاحاديث عن الاسطورة تختلف اختلافا كثيرا . قال الاستاذ
عبد الله السمان 1 : " وحديث البخارى يقول :
" ان الحادث وقع ليلة المعراج . و ابن حزم يعارض
البخارى .
1 محمد ، الرسول
البشر ، ص 96 .
معجزة
القرآن
٩٧
و قيل : و هو ابن عشرين سنة ، كما فى حديث ابن حيان
و الحاكم . و قيل : حين كان مسترضعا لدى حليمة ، و أخوه
من الرضاع ، و سنه لا تتعدى السنتين ، هو الذى شهد الحادث
و نقله الى أمه حليمة . و الحافظ العراقى فى ( نظم السيرة
) يقول : فى عامه الرابع " . فلا يدرون متى وقع له
الحادث و فى أى زمان و فى أى مكان . و اختلاف الاحاديث
دليل تهافتها .
جاء فى صحيح البخارى : " بينا أنا عند البيت ،
بين النائم و اليقظان – و ذكر بين الرجلين – فأتيت بطست
من ذهب ملىء حكمة و إيمانا . فشق من النحر الى مراق البطن
– أى أسفله – ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملىء حكمة و ايمانا
" . لاحظ التهافت فى التعبير نفسه : محمد "
بين النائم و اليقظان " ، فهل الرؤيا حادث واقعى
؟ و ما معنى شهادة من هو غائب عن وعيه ؟ و هل الحكمة و
الايمان أشياء حسية يملأ بها طست من ذهب ؟ فيا ليت البخارى
أسقط هذا الحديث مع آلاف الأحاديث التى نرفضها .
يقول الأستاذ السمان : " و قد اهتمت كتب السيرة
بهذا الحادث دون التعقيب عليه . و ما كان لمنطق سليم أن
يقره أو يعترف به . و رغم اضطرب الروايات ، لا يفوتنا
أن هذه الأحاديث تتعلق بجانب غيبى – و هو الذى يمثله الملائكة
– و لا يصح للتصديق بسوى الخبر المتواتر . و لا خبر متواتر
فى القصة " .
لذلك يسميها الدكتور حسين هيكل : " أسطورة شق الصدر
" لسبب ان محمدا لم يلجأ فى اثبات الى ما لجأ اليه
من سبقه من الخوارق " .
ثانيا : الإسراء و المعراج
وجد بعضهم معجزة الاسراء فى هذه الآية :